
كلمة السيد عزوز ناصري، رئيس مجلس الأمة بمناسبة اختتام الدورة البرلمانية العادية 2024-2025
24 يوليو 2025
بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين..
- السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني، الفاضل،
- السيد الوزير الأول، الفاضل،
- السيدة رئيسة المحكمة الدستورية، الفاضلة،
- السيدات والسادة أعضاء الحكومة، الأكارم،
- السادة أعضاء مكتب المجلس الشعبي الوطني، المحترمون،
- السيد الرئيس الأول للمحكمة العليا، الفاضل،
- السيد رئيس مجلس الدولة، الفاضل،
- زميلاتي، زملائي أعضاء مجلس الأمة؛ المحترمون،
- أسرة الصحافة والإعلام،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
تَهَادَى إلى مجلِسِنا الموقّر، كَرَمُ حُضورِكُم جلسةَ اختتامِ دورتِه البرلمانيةِ العادية 2024-2025، وإنّه ليشرفني أن أتوجّهَ إليكُم نظيرَ ذلك، كلٌّ باسمهِ ومقامِهِ وجَميل ِ وصفه، بجزيل التشكرات وكبيرِ الثناء، مُستغلاً هذه السانحةَ الدستورية لأُعْرِبَ لكم عن أجملِ وأحرِّ معاني الترحيب، وأحسن الوِفَادة في رِحَابِ مجلس الأمة..
كما يطيب لي، في هذا المقام، أن أتقدّمَ أصالةً عن نفسي ونيابةً عن زملائي أعضاء مجلس الأمة، إلى السيدة ليلى عسلاوي، رئيسة المحكمة الدستورية، بأصدق التهاني والتبريكات بمناسبة تعيينها على رأس هذه الهيئة الدستورية المحترمة، وعلى نيلها ثقة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، فهنيئاً لك السيدة الرئيسة الفاضلة وأتمنى لكِ التوفيقَ كلَّ التوفيق.
السيدات والسادة الحضور؛
مِنْ مَحَاسِنِ الصُّدف أن تلتئمَ هذه الجلسة، والجزائر – وَطَناً وشعباً – تبـتهجُ احتفالا بالذكرى الثالثة والستين لعيد الأعياد، عيد الاستقلال والشباب، وإنّها واللهِ، من أغلى وأزهى الذكريات، كيف لا وقد حقَّقَ فيها وطنُنا المفدّى حريَّتَهُ واستقلالَهُ من بَرَاثِنِ الاحتلال الفرنسي البغيض، واستعاد ضَمْنَهَا سيادته الوطنية المسلوبة، بعد نضالٍ طويل وكِفاحٍ مرير، قَادَهُ واستبسلَ فيه سَلَفُـنا الصالح من شهدائـنا الأبرار ومجاهدينا الأخيار، بِسَخَاءِ النفس والدّماءِ الزكيات الطاهرات والتضحيات الجسيمة الجليلة، لِيَظَلَّ بذلك مُرصّعاً على الدوام بالأمجادِ والبُطُولات والكرامة والشهامةِ من أجل جزائرَ حُرّةٍ، واحدةٍ مُوَحَّدة في نِطَاقِها الشعبي والتُرابي، مَنِيعةٍ ومَهِيبَةِ الجانب والجناج.
إنّ هذه الروح المتميزة وعالية الهمِّة، ينبغي أن تبقى دوماً هي الجامعة بين أبـناء شعبنا الشهم الأبي، والعُروةِ الوُثقى التي تلتقي فيها صفوفه، في سبيل التفاني في خدمة الوطن العزيز بعزيمةِ البَذْلِ وإرادة العطاء، وفي كَنَفِ التمسك والالتزام بثوابته ودعائم مقوماته، ومرجعيته التاريخية المعبر عنها في بيان أول نوفمبر 1954 الخالد، في عالَمٍ مضطرب متعدد الأزمات، يتجدد بسرعة ويَعُجُّ بمُختلفِ التحدياتِ والرهانات، لتصبح الحاجة ماسةً بل ومُلحّة، إلى مثل ذلك الرصيد الوطني المشحون بالمبادئ العليا والقيم السامية المحفّزة على التضحيةِ والصُمود من أجل تجسيدِ جزائرَ منتصرة دائما وأبدا.
السيدات والسادة الحضور
وفي خِضَمّ تمجيدِ ذاكرتنا التاريخية الوطنية المترابطة بين حلقاتها والمتواصلة بين أجيالها، تستوقِفُنا في نطاقِ الوفاءِ لرعيلِ ثورتِـنا التحريرية المظفّرة الذي قـيّضهُ الله، الغايات المثلى لثقافة الدولة التي ما فـَتِئ يُوصي بالاسترشادِ والتحصُّنِ بها، المجاهدُ الرمز الرئيس الأسبق لمجلسنا الموقر السيد صالح قوجيل، وجَعَلَها مَنْهَجًا وعملاً وسُلوكا، لِمَا تحمِلُهُ في ماهِيَتِها وأغراضِها مِنْ فضائلِ الوطنيةِ الصادقة وصِفَاتِ المواطَنَةِ الحقّة.
يقيناً، أنّ ثقافةَ الدولة تدلُّ على مجموعةِ القِيَـم والثوابت القائمة على المعتقدات والأعراف التي تُميّز حياةَ الأمة والمجتمع المتجانس المتماسك في صُلْبِ الدولة بمفهُومَيْهَا الواسِعِ والضيق، وفي نطاق ما يُقدمهُ الفردُ في وسطه المجتمعي من خدماتٍ مميّزة ومشهودة، وإذ أضحى مفهومُ الدولة الحديثة لا ينطوي على مؤسساتٍ للحُكم ودُستورٍ مكتوب ومنظومةِ قوانين فحسب، بل أضحى كذلك يتعلقُ بمشروعِ مجتمعٍ مُتكامِل، وفضاءٍ للتعاونِ والتكافلِ بين هيئات الدولة والمواطنين ليتم ضمنه تبادُلُ المنافِعِ وإذكاءِ الحِسّ الوطني، والوعي المدني الكفيلَيْن بتطويرِ الوطنِ في شَتّى القطاعات.
إنّ من نِتَاجِ التحلي بثقافة الدولة، ما يُنَمّي لدى الساكنةِ الوطنية غريزةَ حُبِّ الوطن والاعتزاز بالانتماء إليه، وتقويةِ الرغبةِ والارادة في خِدمته عن طريق نُكرانِ الذات وإيلاء الأهمية للمصلحة العامة دون الشخصية، والاسهام الجاد في صون جبهته الداخليـة، في إطار التمسك بمُقَدّسَاتِ الأمة الضاربة في أعماقِ التاريخ، وهُوِيَتِها الجامِعَة وتقاليدها المُجتَمَعِية الراقية .
في غِمَار هذه الحركية، تَبرزُ الحقوقُ وتـتجلى الواجبات لِيَطْفُوَ من مجموع هذه العناصر المتفاعلة، موروثٌ مشتركٌ من المبادئِ والقيمِ يُحقّقُ حمايةً وأماناً للوطن والمواطن على حدٍ سواء، وهو العاملُ نفسُهُ الذي يُمَكِّن ثقافة الدولة جراء ما تـنشُرُهُ من بواعِثِ الأملِ والتعبئة، من أن تُشكّلَ حِصْناً مَنيعاً ضد أساليبِ وخطاباتِ اليأسِ والإحباطِ والانهزامية، وبما يُؤدي أيضا إلى استكمال أُسُسِ الجزائرِ الجديدةِ المنتصرة والمستَمَدَّةِ من ركائزِ وعناصرِ الدولة الوطنية النوفمبرية .
السيدات والسادة الحضور
في الوقت الذي تحيا فيه مُكوناتُ الدولَةِ النوفمبريةِ الجامعةِ بين الأصالةِ والمعاصَرَة، المُتَشَـبِثَةِ بمُقَوِماتِ هُوِيــتِهَا وعناصرِ ثوابِتِها، تَعرفُ الجزائرُ تحوُلاتٍ ايجابيةٍ متسارعة وتخطو اليوم بالقيادة المتبصرة لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، طريقها بِعَزْمٍ وإرادةٍ وثباتْ نحو التطور المنشود وبُلُوغِ مَصَافِ الاقتصادياتِ الناشئة، جاعلةً في ذلك من الحَوْكَمَةِ الرشيدة نِبْراساً في إدارةِ الشأنِ العام، ومن تدعيمِ وتأصيلِ النظامِ الجمهوري للدولة وطابِعِها الديمقراطي مِنْهاجاً قَوِيماً، ومِنَ البناءِ المؤسساتِيِ المستقِّرِ أداةً، ومِنْ وُلُوجِ مجتمعِ الحرياتِ الفردية والجماعية مكسباً حضارياً، ومن ترقيةِ القطاعِ الاقتصادي وتثمين التنمية البشرية والاجتماعية غايةً مُثْلى، ومن تدعيمِ كرامةِ الشعب أَوْلويةً قُصْوى.
لقد استطاعت الجزائرُ اليومَ بتبَـنِّيها لهذه الأُسُس، أن تُحقّقَ في الميدانِ نتائجَ مُعتبرة لا يُنكرها إلاّ جاحد ومتآمرٌ حاقِدْ، في سياقِ تجسيدِ التنمية الاقتصادية والاجتماعية مُتعددةِ الجوانب وفي بُعدَيْها الشاملِ والمُستدام.
في هذا المجال، لابُدّ من الاشادةِ والاعتزازِ بما تَحَقَّقَ للاقتصاد الوطني في الفترة الأخيرة، من أغراضِ التنويعِ بُغيَةَ التحرُّرِ من التبعية للريع البترولي، وتوطينِ الاستثمارِ الوطنِيِ والأجنبي، والرفعِ من حَجْمِ الصادرات خارج المحروقات وترشيدِ الاستيراد، والتحسنِ الملحوظ في المؤشراتِ الاقتصادية الجُزئية منها والكُلية وتفعيلِ القطاع الصناعي، والارتقاء بالقطاعِ الفلاحي لتحقيقِ الأمن الغذائي مع التنويه في هذا المجال، بالقرار التاريخي لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون القاضي بتسوية العقار الفلاحي قبل مَوْفَى العامِ الجاري، إلى جانبِ كافةِ العمليات الرامية إلى ضمان الأمن المائي من خلال إنجاز العديد من محطات تحلية مياهِ البحر المنجزة بكفاءات المدرسة الجزائرية، وتعزيز قطاع السكن بمختلف صيغه، وتكثيف شبكـة خطوطِ السِكَكِ الحديدية لأهميتها المُهَيْكِلَةِ اقتصادياً عبر مناطق الهضاب العُليا والجنوب على غرار الخط الرابط بين غارا جبيلات وبشار، مع الافتخار بالمشروع المنجمي العـملاق غارا جبيلات الذي حوّلَهُ السيد رئيس الجمهورية من حُـْلٍم إلى واقعٍ ملموس في قلب الصحراء الجزائرية، والذي سيجعل من الجزائر قُطبا اقليميا وعالميا في الحديد والصُّلب. كما لا يجب التغاضي أيضا، عن التـقـدم الحاصل في رَقْمَنَةِ الجهازِ الإداري والمالي لمواكبة تـطورات العصر، وعن إبـرازِ النتائج الايجابية المحقّقة في التنمية الاجتماعية والبشرية بمُختَلَفِ روافِدِها، والمساعي الرائدة في التكفلِ بفـئةِ الشباب بتشجيع إنشاء النـظام المقاولاتي والمؤسسات الناشئة لصالحها، فـضلا عن توفير الـكم الهائل من مناصب الشغل وفُرص العمل الدائم لامتصاص البطالة، والتحسين الدوري للمستوى المعيشي للمواطنين بما يحفَظُ لهم الكرامةَ والعيشَ الرغيد، ويـتجـلى كلُّ ذلكَ في نِطاقِ رُؤيةٍ استراتـيجيةٍ واضحةِ المَعَالِمِ والأهداف لرئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، وفي كَنَفِ الحفاظِ على مبادئ البُعد الاجتماعي للدولة والعدالة والتوازن الجهوي في توزيعِ مظاهرِ التنمية في الجهات الأربعة للوطن.
إنّ الرهانات الحالية والتحديات المستقـبلية ذات الصلة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبشرية، تتطلبُ من الحكومةِ والبرلمان على حدٍ سواء مواصلةَ الجُهْدِ التنموي المبذول، بما يكفُلُ تحقيقَ مطالبِ الحاضر وعدم رَهْنِ حاجياتِ أجيالِ المستقبل، كما يستلزمُ الاصغاء المستمر لمتطلبات المجتمع والعمل على بلورتها في برامج قابلة للتنفيذ والتجسيد وكذا للمراجعة والتحيين كلما تطلّبَ الأمرُ ذلك.
السيدات والسادة الحضور؛
لقد كانت الدورة العادية الحالية لمجلس الأمة، مليئةً بالعملِ التشريعي والرقابي ضِمْنَ ما يُخوِّلُه له الدستور من صلاحيات، ومُنْسَجِماً مع شقيقِهِ المجلس الشعبي الوطني - رئيساً وأعضاء ومصالح إدارية -، بفضل الحكمة التي يتمتع بها السيد إبراهيم بوغالي، تجسيداً لمبدأ "برلمان بغرفتين وصوتٌ واحد"، فحَرَصَ مجلس الأمة بِمَعِيَّتِهِ على مُرافقةِ سياسةِ الاصلاحِ الشامل التي يقودها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون برزانةٍ واقتدار، بالأدوات التشريعية والآلياتِ القانونيةِ المؤطّرة للفعل التنموي والحياة العامة، في سياق ما تعرِفُهُ من تحوُلاتٍ مُتَسَارعةٍ تَفرِضُ على غُرفتي البرلمان، التحيين الدوري والتطوير المستمر للمنظومة التشريعية الوطنية.
والمناسبة تَفرضُ عليّ الإشادةَ والتنويهَ بالدّورِ المُقدَّرِ جدا للسيدة وزيرة العلاقات مع البرلمان نظير مشاركتها الفاعلة والفعّالة والناجعة في أشغال البرلمان وفي تطوير التشريع الوطني، ونظير دورها في التنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.. فَلَكِ كُلَّ الثناء السيدة المحترمة.
السيدات والسادة الحضور؛
لقد عرفت الدورة البرلمانية، وللعام الثاني توالياً، توجيهَ رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، خطاباً للأمة عبر ممثلي الشعب في البرلمان، فانعقدت بذلك الدورة غير العادية للبرلمان في 29 ديسمبر 2024، وفيها ألقى السيد رئيس الجمهورية خطابَهُ السامي الذي جمع بين ما تحقق من إنجازات بفضل الإصلاحات الاقتصادية التي وضعت الجزائر في الطريق الصحيح، وبين ما سيتحقق بفضل تعزيز اللُّحمةِ الداخلية وتكريس الممارسة الديمقراطية والاستمرارية في العمل والتخطيط، وذلك في إطار خارطة طريق واعدة، ترتفع فيها مؤشرات الأمن الغذائي والطاقوي والمائي، وترسم الحلول لكلّ الرهانات الوطنية والدولية، وتبرز فيها بوضوح وجلاء معالم التفوّق والريادة..
السيدات والسادة الحضور؛
لقد شهدت الدورة البرلمانية التي نَختتمُ أشغالَهَا اليوم، نشاطاً برلمانياً مكثّفاً لمجلس الأمة، يتجلى في حصيلتها المتعلقة بالعمل التشريعي والرقابي والتمثيلي، والتي تجسد أداء تشريعيا يبعث على الرضا، ومردودية عالية للأداء البرلماني الذي يتطور باستمرار ليحقق الأهداف المُتَوَخَاةْ من مجلس الأمة كواحدٍ من أُطُرِ الممارسة الديمقراطية الحقيقية في الجزائر، وذلك وِفْقًا للصلاحيات التي يخولها له دستور الفاتح نوفمبر 2020.
ففي مجال التشريع، شكّلت النصوص التي تمت مناقشتها والمصادقة عليها إضافة نوعية للرصيد التشريعي الذي راكمه المجلس منذ تأسيسه، وقد جاءت في وقتها المناسب، وعزّزت مخرجاتها المنظومة القانونية الوطنية ونجاعة الأداء التشريعي للمجلس في ظل الشفافية وروح المسؤولية، وكرّست إسهامات أعضاء المجلس في مواجهة التحديات وتحقيق الطموحات ورسم السياسات، متماشية بذلك مع الحركية التي تعرفها بلادنا في كافةِ المجالات، ومع متطلبات النهضة الشاملة ومسارات التغيير والتجديد والإصلاح، والتي باشرها رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون لاستكمالِ بناء صرح الجزائر المنتصرة.
وقد جسّدتْ حُزمةُ القوانينِ التي صادق عليها مجلس الأمة، والبالغةُ 15 قانوناً، فضاءً ديمقراطياً راقياً، بمضمونها الهام وبكل المراحل التي مرت بها، من النقاشِ المثمرِ المسؤول والحوار البنّاء بين أعضاء المجلس وأعضاء الحكومة، إلى طبيعة المداخلات والتفاعل الذي ساد الجلسات، مُشكِّلا بذلك صورةً مشرِّفةً للتعاوُنِ والتنسيقِ القائمين بين كافة مؤسسات الدولة الجزائرية، حيث تُرجّح دوما وأبدا كفّةُ المصلحة العليا للوطن.
بدءاً بالمصادقة على قانون المالية لسنة 2025، والتدابير التي تضمّنها والداعمة للتوجهات الاقتصادية الجديدة في جزائر تسير بخطى واثقة نحو تنويع الاقتصاد، وإلحاقه بركب المعرفة والرقمنة والابتكار والطاقات المتجددة، وكذا، بناء قدرات صمودٍ عالية لتجنيب خزينة الدولة تداعيات الهزات الاقتصادية العالمية، ولإحباط محاولات ثَنْيِ الجزائر عن تمسُكِّها الثابت والتاريخي باستقلالية قرارها السياسي والاقتصادي.
كما صادق مجلس الأمة على القانون المتصل بتسوية الميزانية لسنة 2022، والذي جاء لتمتين قواعد التسيير الشفاف للمال العام وتعزيز الدور الرقابي البَعْدِي الذي يتولاهُ أعضاءُ البرلمان،
إنّ الدورة البرلمانية الحالية لمجلس الأمة، واصلت بوعي أعضائه وحِسّهم الوطني وتحلّيهم برُوح المسؤولية، ذلك المسار الحافل بترقية الشؤون العامة على مختلف الأصعدة، ضمنه ما يتصل بالاستـثمار الهادف إلى تحقيق غايات استراتيجية واقتصادية فائقة في ظل تعزيز الملكية العامة والسيادة الوطنية على ثرواتنا المعدنية والباطنية، وهنا أستدلّ بالتقرير الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية حول الاستثمار العالمي، الذي أشار إلى ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو الجزائر، سنة 2024، بزيادةٍ قدرُها 18% مقارنة بعام 2023، مُرجعاً الأداء الإيجابي هذا إلى عواملَ عدة من بينها الإصلاحات التشريعية التي أتى بها قانون الاستثمار وما وفرته من وضوح واستقرار قانوني، إضافة إلى إصرار الجزائر على تنويع اقتصادها بعيدًا عن المحروقات.. المسار الحافل بترقية الشؤون العامة على مختلف الأصعدة ضمّنَهُ أيضاً ما ينطوي على ترقية الحريات الفردية والجماعية وضمان الأمن القانوني بإحداث ثورة إصلاحية على قانون الإجراءات الجزائية، ومنها ما يتعلق بالحفاظ على الأوقاف الوطنية وإدراجها ضمن العملية الاقتصادية الوطنية، وبما يتصلُ بحماية المجتمع من المخدرات الآتية من الخارج ومحاربة تدفقاتها، بالإضافة إلى ضبط الإطار القانوني والتشريعي للتعبئة العامة المنصوص عليها دستوريا، بما يجعلُ البلادَ على استعدادٍ لمواجهة أيّ طارئ - لا قدر الله -، إلى جانب ملاءمة الاجراءات الدولية المتعلقة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، علما وأن المجتمع الدولي، يشهد للجزائر في هذا الصدد، بدورها الريادي في التصدي للجريمتين العابرتين للحدود.
أعضاء مجلس الأمة ناقشوا وصادقوا أيضاً على القانون المحدد للقواعد المطبقة في مجال التأمينات الاجتماعية، والذي تضمّن جُملةً من التدابير في غاية الأهمية من شأنها أن تساهم في توفير بيئة مواتية للمرأة العاملة قصد التوفيق بين التزاماتها العائلية والمهنية، وذلك امتدادا للسياسة الوطنية الرامية إلى التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة بدعم من الدستور.
من جانب آخر صادق مجلس الأمة على القانون المتعلق بالتقاعد لصالح فئة الأساتذة المنتمين لقطاع التربية، تقديرا لجهودهم ونُبل رسالتهم، ومن منطلق أنّ خُصوصيةَ القطاع تُعدُّ من الانشغالات الأساسية داخل المجتمع.
علاوة على ما سبق ذكره، فقد درس وصادق مجلس الأمة على القانونِ المحدّدِ للقواعِدِِ العامة للاستعمال والاستغلال السياحيين للشواطئ..
السيدات والسادة الحضور؛
إنّ مجلس الأمة، ووعياً منه في المساهمة الجادّة في تفعيل القوانين وما يُحيط بها من آثار، يُلحّ بضرورة التسريع في إصدار النصوص التطبيقية، وكذا التسريع في وتيرة الرقمنة لإضفاء الشفافية في التسيير وضمان المتابعة الدقيقة والفعّالة.. ناهيك عن الدعوة إلى تحيين البرامج القطاعية بشكل دوري..
وإلى جانب العمل التشريعي، عرفت هذه الدورة البرلمانية العادية نشاطا رقابيا مهما من خلال تنظيم 07 جلسات عامة خُصصت لطرح 68 سؤالاً شفوياً حول مسائلَ ومواضيع تتعلق بالعديد من القطاعات الوزارية وتشغَلُ بَالَ المواطنين.. وتوجيه 62 سؤالاً كتابياً؛ وقد شكلت الأسئلة الشفوية والكتابية التي وجهها أعضاء مجلس الأمة لأعضاء الحكومة، إطارا ديمقراطيا التزمَتْ فيه الحكومة بالإجابة عن عدد من الانشغالات التي طرحها الأعضاء. كما جسّدت أسمى معاني التعاون وتبادل المعلومات وتقديم الاقتراحات من أجل بلوغ الأهداف المشتركة..
وفي المجال الرقابي دائمًا، نظّم مجلس الأمة بعثاتٍ استعلامية مؤقتة إلى عدة ولايات، على غرار ولايتي الأغواط وورقلة، فضلاً عن تفقد عدد من المؤسسات والمرافق الاستشفائية بالجزائر العاصمة، وهي خرجات تقرب المواطن من ممثليه، وتُترجم الحرص الذي نتقاسمه بمعية الحكومة على تسريع وتيرة التنمية، وذلك عبر معاينة المشاريع المنجزة وتَفَقُدِّ المشاريعِ المبرمَجَة.
وفي إطار الأبواب المفتوحة التي دأب مجلس الأمة على تنظيمها في إطار ترقية الثقافة البرلمانية وتكريس التواصل المباشر مع المواطنين والمؤسسات الوطنية، استقبل مجلس الأمة العديد من إطارات وضباط الجيش الوطني الشعبي والدرك الوطني والشرطة، ووفد من سفراء الذاكرة بالمجلس الأعلى للشباب، وطالبات وطلبة من مختلف الأطوار التعليمية، جاؤوا من عِدَّةِ ولايات للتعرُفِ عن قُربْ على كيفيةِ أداء مجلس الامة لوظيفته الدستورية، وعلى تنظيمه وكيفية تسييره، بالإضافة إلى زيارة قاعاته التي تُخَلِّدُ أسماءَها شهداء الثورة التحريرية المجيدة.
وكان لمجلس الأمة، يوم الخميس الفارط، بالغَ الشرفِ حين استقبل مجموعة من براعِمِنا المغتربين، موشّحين بالألوان الوطنية، وكلُّهم فخر، شاكرين عالياً "عمّي تبون" رعايتَهُ وحرصَهُ على الإتيان بهذه المبادرة وجعلها تقليداً سنوياً وسُنّةً حميدة، غايتُها المثلى وبُعدها الأسمى هو تعزيزُ التواصل والروابط بوطَنِهم الأم.
السيدات والسادة الحضور؛
بالتوازي مع دوره التشريعي والرقابي المنوط به، لم يتخل مجلس الأمة عن دوره في تنشيط الدبلوماسية البرلمانية في المحافل الجهوية والدولية بغرض إسماعِ صوت الجزائر ومرافقة الدبلوماسية الرسمية للدولة، القائمة على إشاعة مظاهر السلم والأمن الدوليين وسلامة التعاون البيني ومتعدد الأطراف، ونُصرة القضايا العادلة في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية وحق شعبها في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وحقِّ شعبِ الصحراء الغربية في تقرير مصيره على أساس قرارات ولوائح هيئة الأمم المتحدة.
ومن هذا المقام، يسعدني أن أتقدم، باسم زملائي أعضاء مجلس الأمة، بفائقَ الشُكْرِ إلى سعادة السيدات والسادة سفراءِ الجزائر بالخارج والطواقم المساعدة لهم على ما يُولُونَهُ من حُسن استقبال وجميل مرافقة لوفود مجلس الأمة أثناء القيام بمهامهم إلى الخارج، وأن أَبُثَّ لهم ما أَجِدُهُ في نفسي من التقدير والعرفان والامتنان بجُهودهم المبذولة.. كما يطيب لي أن أعرب عن كبير ارتياحي لرقيّ مستوى الخدمات المخصّصة من طرف الدول الشقيقة والصديقة على شرف الوفود البرلمانية الجزائرية؛ وهو في حقيقة الأمر يدلّل على المقام الذي تتواجد فيه الجزائر ومكانتها بين الأقطار والأمم..
السيدات والسادة الحضور؛
إنّ الجزائرَ الشامخة شُـمُوخَ جبالها، الوفية لمبادئها الأصيلة، المسالمةِ في محيطها الإقليمي وبُعـدِها الدولي، الثابتـةِ على مواقِفِها الرصينة والرزينة، والعصية على كل من يَكيدُ لها ولشعبها العداءات والمناورات الخبيثة الظاهرةِ والخفية، تَظَلُ دائما على عقيدتها الأَبَدِية، في صَوْنِ استقلالِها وحُرمَةِ أراضيها ووِحْدَةِ شعبِها وكذا سِيادةِ قرارِها المستقل دُونَ الخُضوعِ للضُغوطِ والابتزاز والمساومة والممارساتِ الدنيئة من أيٍّ كان، مُنتهجةً في علاقاتها الدولية أساليب الاحترام المتبادل والنِدِّية، وتبادل المصالح والمنافع المشتركة وتنوُّعِ شراكاتِها السياسية والإقتصادية في نطاقِ نضالِها من أجلِ إقامةِ عَالَمٍ متعددِ الأقطاب وعدم التدخل في شؤون الغير، ومعتمدةً في ذلك على وَجَاهَةِ وسدادِ رُؤى رئيسها وصلابة مؤسساتها الدستورية ووعي شعبها وقوةِ واحترافيةِ جيشها الوطني الشعبي – سليل جيش التحرير الوطني – المتلاحِمِِ دَوْماً مع الشعب والمدافعِ عن حِيَاِضِ الأمة، والذي نرفع له ولباقي الأسلاك الأمنية الأخرى، أسمى عبارات التقدير والامتنان والشكر.
إننا في الجزائر نشعرُ اليومَ مِثْلَ الأمس، بفخرٍ لا يُضاهَى وشعبها البطل الأبي يواصل المسيرة وفيا لمسيرةِ الشهداءِ الأبرار والمجاهدين الأخيار، مُستلهِماً من تضحياتِهِمْ الجليلة وبُطولاتهم الخالدة، العزيمةَ على مواصلةِ انتصاراتِ الجزائر التي نؤمن جميعا بقدرات أبنائها وبناتها الأفذاذ في خدمتها والرقي بها بكل إخلاص وتفانٍ واعتزاز.
السيدات والسادة الحضور؛
لقد استغلّ أعضاء مجلس الأمة طيلة هذه الدورة صلاحياتهم وكفاءاتهم العلمية والمعرفية، من أجل تحقيق الصالح العام وتكريس دورهم المحوري في تعزيز دولة المؤسسات الفعالة، ومرافقة جهود الحكومة.. فلهم منّي جميعاً أصدقَ عباراتِ الشُّكرِ والامتنان على كل ما قدموه، بارك الله في جهودهم وجزاهم عن تفانيهم خير الجزاء.. مع أمنياتي لهم بعطلة برلمانية مريحة – إن شاء الله –
والشكرُ موصولٌ إلى إطارات وموظفي مجلس الأمة على تجنّدهم ومثابرتهم وإخلاصهم..
وفي الأخير، ونحن نختتمُ، اليوم، دورتنا هذه، لنضرب موعداً بإذن الله في بداية شهر سبتمبر المقبل، في دورة برلمانية أخرى بمشاريع قوانين ستمسّ – بكلّ تأكيد – عدداً من القطاعات ونشاطاتٍ برلمانيةٍ متنوعة، دورةٌ سنحرصُ لأن تكونَ دعامةً للمنظُومة التشريعية، وتكريساً لاستكمال صرح الجزائر المنتصرة بقيادة رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون.
أشكركم على حُسن الاستماع
تحيا الجزائر
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.