مداخلة السّيد عبدالمجيد تبون، رئيس الجمهورية، في افتتاح "القمة الثالثة لتمويل المنشآت من أجل التنمية في إفريقيا"
28 أكتوبر 2025
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
A L G E R I A
________
مداخلة
السّيد رئيس الجمهورية في افتتاح
-القمة الثالثة لتمويل المنشآت من أجل التنمية في إفريقيا -
--
[يُلقيها نيابة عنه رئيس مجلس الأمة، السيد عزوز ناصري]
__
لواندا (أنغولا)، 28 - 31 أكتوبر 2025
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
أصحاب الفخامة،
السيدات والسادة الأفاضل،
الحضور الكريم،
يُسعدني في مستهلِّ هذه الكلمة أن أنقُلَ إليكم تحياتَ السيد عبد المجيد تبون، رئيسُ الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، وتمنياتِهِ الصادقة بنجاح أشغال وفعاليات هذه القمة.
وقد حالت اعتباراتٌ تتعلقُ بأجندتِهِ الرسمية المكثّفة دونَ تمكُنّهِ من المشاركةِ شخصيًا في هذا الحدث القاري البالغ الأهمية، فكلّفني بتبليغِ خالصِ تحياتِهِ الأخوية وتقديرِهِ الكبير لأخيهِ فخامة الرئيس جواو لورنسو، رئيس جمهورية أنغولا ورئيس الاتحاد الإفريقي، عرفانًا بمبادرتِهِ الكريمة في احتضانِ هذا الموعدِ القاري الفارق وبما يبذُلُهُ من جهودٍ صادقة لتعزيزِ وِحْدَةِ إفريقيا وخِدمَةِ قضاياها الحيوية.
وأغتنمُ هذه المناسبة لأعبّرَ عن خالصِ الشُّكرِ والتقدير لما لقيناهُ من حفاوةِ الاستقبال وكَرَمِ الضيافة في هذا البلدِ الشقيق، الذي يعكسُ عُمْقَ الروابطِ الإفريقية المتجذّرةِ التي تجمَعُ بين بلديْنا، ويُجسّدُ روحَ التضامنِ والوحدةِ التي نحرصُ جميعًا على ترسيخِها.
ولا يفوتني أن أُثمّنَ الجهودَ المتميزة التي تبذُلُها مُفَوِضِيّةُ الاتحادِ الإفريقي ووكالة النيباد، متمنياً لهما التوفيقَ في التنظيمِ المحكم لهذا الحدث القاري البارز، الذي يأتي في توقيتٍ دقيق يؤكدُ إرادتَنَا المشتركة على تعزيزِ التعاونِ وتكثيفِ الجهود لمواجهةِ التحدياتِ التنموية الراهنة التي تشهدها قارتُنا.
ويأتي اجتماعُنا اليوم ليكرّسَ قناعةً راسخة لدى شعوبِنا بأنّ البُنيةَ التحتيةَ ليست مجرّدَ هياكِلَ مادية، بل هي شرايينُ التنميةِ ومفاتيحُ التكاملِ الإفريقي، وهي الركيزةُ الأساسيةُ لتحقيقِ أهدافِ أجندةِ الاتحاد الإفريقي 2063 والتنميةِ المستدامة على المستوى العالمي.
أصحاب الفخامة،
السيدات والسادة الأفاضل،
إن الجزائرَ، التي ظلّت مُؤمنةً بوحدةِ المصيرِ الإفريقي ومتمسّكةً بمبادئِ التضامُنِ والأخوة، تواصلُ التزامَها الثابت بدعمِ مسارِ التنميةِ الشاملة في قارتنا، انطلاقًا من قناعتها بأن النهضة الاقتصادية الحقيقية لن تتحقق إلا عبر إنشاء بنى تحتية متكاملة وعصرية، تستجيبُ لتطلعاتِ شعوبنا وتواكِبُ تحدياتَ عالمٍ متحوّل.
ولتحقيقِ هذه الرؤية، يتعيّنُ علينا توفيرُ بيئةٍ مُواتية تتيحُ حركَةً سَلِسَةً للأفراد والبضائع والخدمات عبر شبكةٍ مُترابطةٍ من الطرق والموانئ وخُطوطِ السككِ الحديدية والفضاءاتِ الرقمية ومصادِرِ الطاقة، بما يُعزّزُ الاندماجَ الإقليمي ويُوحّدُ الأسواقَ الإفريقية.
ولا يخفى على أحد أنّ الاستثمارَ في البُنيةِ التحتية يُعدّ من أهمِّ محركاتِ النموِّ الاقتصاديّ ومن أبرزِ عواملِ تحسينِ مَنَاخِ الأعمال وجذبِ الاستثمارات، ممّا يعززُ مناعَةَ اقتصاداتنا وقدرتها على المنافسة إقليميًا ودوليًا.
ومن هذا المنطلق، بادرت الجزائرُ إلى تنفيذِ مشاريعٍ استراتيجيةٍ كبرى ذات بُعْد قاري، وحَرِصَتْ على تعبئةِ المواردِ المحليةِ والانفتاحِ على شراكاتٍ مبتَكَرة ومتعددةِ الأطراف، بالتعاوُنِ مع المؤسساتِ الماليةِ الإقليميةِ والدوليةِ الداعمة.
السيدات والسادة الأفاضل،
لقد التزمت الجزائرُ، عبر مختلف المراحل، بدورٍ فعّال في دعمِ التنمية الإفريقية من خلال إطلاقِ وتنفيذِ مشاريعَ واعدة تُجسّد قناعَتَها الراسخة بأنَّ التعاوُنَ والتكامُلَ هما السبيلُ الأنجعُ لتحقيقِ الرفاهِ المشترك.
ومن أبرزِ هذهِ المشاريع:
• مشروعُ الطريق العابر للصحراء، الذي يربطُ الجزائرَ بخمس (5) دول إفريقية، ويسهِمُ في فكِّ العُزلةِ عن دُولِ الساحل وتحويلِ الممر إلى مِحْوَرٍ اقتصاديٍّ وتجاريٍّ حيوي.
• مشروع ربط الجنوب الجزائري بشبكة السِكَكِ الحديدية، في إطار رؤيةٍ استراتيجيةٍ تهدفُ إلى توسيع هذا الربط مع دولِ الجوار لِدَعْمِ التكاملِ الإقليميِّ والتنميةِ المشتركة.
• مشروع الطريق الرابط بين تندوف والزويرات في موريتانيا، المموّلِ من طرف الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، لتسهيلِ الربطِ بين شمال وغرب إفريقيا.
• مشروع وصلة الألياف البصرية المحورية العابرة للصحراء، الذي يهدف إلى تعزيز البنية الرقمية ودعم الاقتصاد الرقمي في منطقة الساحل لمواكبة التحولات التكنولوجية العالمية.
• مشروع أنبوب الغاز النيجيري – الجزائري عبر النيجر، الذي يُمثّلُ ركيزةً استراتيجيةً للتعاونِ القاريِّ في مجالِ الطاقةِ وتعزيزِ الشراكةِ جنوب–جنوب.
السيدات والسادة الأفاضل،
وعلى المستوى الوطني، تُواصل الجزائر تنفيذ ما لا يقل عن خمسين (50) مشروعًا رئيسيًا للبُنيةِ التحتية، في إطارِ استراتيجيةٍ طَمُوحَةٍ تهدِفُ إلى تطويرِ الاقتصادِ الوطني وتعزيزِ تنافُسِيَتِه.
وتشمل هذه المشاريع قطاعات حيوية عدة، من أبرزها:
• مشروعان استراتيجيان للسكك الحديدية، الأول يمتد على مسافة 950 كيلومترًا لربط منجم غار جبيلات لخام الحديد بمدينة بشار، والثاني بطول 420 كيلومترًا لربطِ ميناء عنابة بمنطقة جبل أونق (تبسة)، في إطار مشروعٍ وطنيٍّ ضخم لتطويرِ شبكةِ النقل وتعزيزِ التكاملِ الاقتصادي.
• إنجازُ خمس (5) محطات لتحلية مياه البحر، أربع (4) منها دخلت الخدمة فعليًا في ولايات وهران، تيبازة، الطارف ورأس جنات، والخامسة قيد الإنجاز بمدينة بجاية.
• توسيعُ شبكةِ مترو الجزائر العاصمة لتشمَلَ المطار الدولي وعددًا من الأحياءِ الجديدة، بما يُسهِمُ في تحسينِ النقلِ الحضري وتقليلِ الانبعاثات.
• برنامج وطني طموح لبناء مليوني وحدة سكنية وتطوير أقطاب حضرية كُبرى عَبْرَ مختلفِ الولايات، لتلبيةِ الطلبِ المتزايدِ على السكن وتعزيزِ التوازُنِ الجهوي.
كما تسعى الجزائرُ، انطلاقًا من إدراكها العميق لأهمية التحول الرقمي، إلى تعزيزِ بُنْيَتِها التكنولوجية وتحويلِها إلى مركزٍ إقليميٍّ رائدٍ في مجالِ الاتصالات والاقتصادِ الرقمي في إفريقيا، بما يُتيحُ دَمْجَ اقتصادِها في سلاسِلِ القيمةِ الإقليميةِ والعالمية.
السيدات والسادة الأفاضل،
و إيمانًا منها بالدورِ المحوري للبُنية التحتية في تحقيقِ التكامل القاري وتعزيزِ السيادة الاقتصادية الإفريقية، تدعو الجزائرُ إلى تبنّي رؤيةٍ عمليةٍ واضحة تتجاوزُ حدودَ الالتزامات السياسية إلى آليات تنفيذية ملموسة، تقوم على ما يلي:
1. تسريعُ استكمالِ المشاريع الرئيسية القارية المدرجة ضِمْنَ مُبادرةِ تطويرِ البُنية التحتية في إفريقيا، في آجالٍ زمنيةٍ محددة، مع ضمانِ المتابعةِ السياسيةِ والفنيةِ المستمرة من أعلى المستويات.
2. وضعُ آلية تنسيق دائمة بين الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي والمؤسسات المالية الإقليمية، لضمان حُسنِ تنفيذِ المشاريع ذات الأولوية وتبادُلِ الخَبَرات التقنية والمالية.
3. إزالةُ المعوقات التقنية والإجرائية والتمويلية التي تُعيقُ تقدُّمَ المشاريعِ الكبرى، واعتمادُ مقاربةٍ مَرِنَة تُراعي خصوصياتِ كلّ منطقة.
4. تعزيزُ الشراكةِ بين القطاعين العام والخاص، وتعبئةُ المواردِ الإفريقية أولًا، قبل اللجوءِ إلى التمويلاتِ الخارجية، مع تشجيعِ الحُلولِ المبتكرة مثل الصناديقِ السياديةِ الإفريقيةِ المشتركة.
5. إعطاءُ الأولويةِ للمشاريعِ ذات الأَثَرِ القاريّ الحقيقي، التي تخلُقُ فُرَصَ عمل وتربط بين الاقتصادات وتدعَمُ الأمنَ الغذائيَّ والطاقويَّ والرقميَّ في إفريقيا.
السيدات والسادة الأفاضل،
إنّ تحقيقَ أهداف قارتنا لن يَتَحقّق إلاّ من خلالِ إرادةٍ جماعيةٍ صلبة، تُتَرْجِمُ الأقوالَ إلى أفعال، والنوايا إلى إنجازاتٍ ملموسةٍ على أرضِ الواقع. فالبُنْيَةُ التحتيةُ ليستْ مُجَرّدَ منشآتٍ هندسية، بل هي أداةٌ للتغييرِ والتحول، ومرآةٌ لإرادتِنَا في بناءِ إفريقيا جديدة تَسِيرُ بخُطىً واثقة نحو الازدهارِ والسيادة.
كما أن التكاملَ القاري، السادة والسادة الأفاضل، لن يكون شعارًا نُردده، بل واقعًا نعيشه، حين تُصبِحُ مشاريعُنا القارية ثَمْرَةَ رُؤيةٍ إفريقيةٍ خالصة تُجسّدُ طموحاتِ شُعوبِنا، وتستجيبُ لتحدياتِها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بكلِّ واقعيةٍ ومسؤولية.
ومن هذا المنطلق، تدعو الجزائرُ بكلِّ وُضوحٍ وإيمان إلى تعزيزِ التنسيقِ الفعّال بين الاتحادِ الإفريقي والدولِ الأعضاء، من أجل توحيدِ الجهود، وتفادي الازدواجية، وتسريعِ وَتيرةِ تنفيذِ المشاريعِ ذات الأولوية.
كما تؤكد على أهميةِ إرساءِ آليةِ تقييمٍ ومتابعة دورية تضمَنُ الشفافيةَ والمساءلة، وتُحوّلُ الخُطَطَ إلى نتائجَ ملموسة تُحدِثُ فرقًا حقيقيًا في حياةِ مواطنينا.
وفي الوقت ذاته، تؤمنُ الجزائرُ بأنَّ بناءَ المستقبل لا يمكن أن يتم دُونَ إشراكِ الفاعلينَ الحقيقيين في التغيير، وهم الشباب الذين يُشكّلونُ القلبَ النابضَ للقارةِ الإفريقية والعُنصر الأكثرَ قدرةً على الإبداعِ والتجديد.
كما تدعو إلى توسيعِ فضاءاتِ التعاون جنوب–جنوب، بما يُعزّزُ الاعتمادَ المتبادل ويَحُدُّ من التبعيةِ الاقتصادية، ويُكرّسُ مبدأَ الاكتفاءِ الإفريقي القائمِ على التضامُنِ والتكاملِ الذاتي.
وانطلاقًا من هذا التوجه، تؤكِّدُ الجزائرُ استعدادَها الكامل لمواصلةِ العملِ جنبًا إلى جنب مع أشقائها الأفارقة، ومع مؤسساتِ الاتحادِ الإفريقي، مِنْ أجل تحقيقِ الأهدافِ الكبرى للتنمية القارية، وترسيخِ التكاملِ الاقتصادي الذي يُشكِّلُ أَحَدَ أعمِدَةِ رُؤيتِها الإفريقية المستنيرة، المستلهَمَةِ من توجيهاتِ رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الداعيةِ إلى بناءِ إفريقيا قوية، مُوحَّدة ومزدهرة، تتكلّمُ بصوتٍ واحد وتتحركُ بِإِرادةٍ واحدة نحو المستقبل.
أصحاب الفخامة،
السيدات والسادة الأفاضل،
وفي الختام، أودُّ أن أعبّرَ عن خالص تقديري وامتناني لكل من ساهم في إنجاح أعمال هذه القمة التاريخية.
إنّ أَمَلَنَا كبير في أن تُترجَمَ توصياتُنا وقراراتُنا إلى خُطُواتٍ عملية تُحدِثُ نَقْلَةً نوعيةً في تنفيذِ مشاريعِنا القارية، وتفتَحُ أمام إفريقيا آفاقًا أرحب من التكامُلِ والازدهار.
فإفريقيا اليوم تملِكُ كلّ مُقوماتِ النهضة، وكُلَّ عناصر القوة، وما علينا إلاّ أن نُحسِنَ استغلالَها والتوجُّهَ بها نحو مُستقْبَلٍ يصنَعُهُ أبناؤها، وتَفْخَرُ به أجيالُها القادمة.
أشكركم على كرم الإصغاء،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
الألبوم