كلمة

السيد صالح قوجيل

رئيس مجلس الأمة بالنيابة

في ختام جلسات عرض ومناقشة مخطط عمل الحكومة

وردود السيد الوزير الأوّل

وكذا المصادقة على لائحة حول ذات المخطط

___

جلسة يوم الأحد 16 فيفري 2020 مساءً

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

- السيد الوزير الأوّل،

- السيدات والسادة أعضاء الحكومة،

- الأخوات والإخوة أعضاء مجلس الأمة،

- السيدات والسادة الحضور ؛

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.

مرة أخرى أشكر السيد الوزير الأول على ما قام به طيلة أشغالنا وبصفة خاصة كلمته الأخيرة؛ كما أشكر المساهمة الفعلية والجدية من طرف أعضاء مجلس الأمة، والطروحات الصحيحة والدقيقة حول برنامج الحكومة، لأنه مبدئيا برنامج سياسي لا يقدم أرقاما، ولأنه يعبر عن الالتزامات السياسية لرئيس الجمهورية تجاه الشعب الذي انتخبه، وصادق على تعهدات الرئيس السياسية ويتجسد بعد ذلك اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، ويفسر في الميدان بقرارات وبقوانين ومتابعة.

صحيح أن هذه المرحلة كلها أولويات ويبقى علينا كيف نختار أولوية الأولويات؛ صحيح أن العمل أمامنا عمل جبار لكنه تاريخي في نفس الوقت، ونتذكر جميعا منذ سنة أين كانت الجزائر وأين هي اليوم، وكل المحطات من فيفري الفارط إلى فيفري الحالي، أسبوعا تلو أسبوع، وشهرا بعد شهر، والحراك الذي حييناه في البداية، والجيش الوطني الشعبي الذي حافظ وحمى الحراك وثقافته وأطروحته والمطالب المعقولة والحقيقية التي عبر عنها، هذا الجيش الوطني الشعبي الذي هو سليل جيش التحرير الوطني بحق وجدارة كما أقول دائما، المختلف بذلك عن جيوش دول العالم كجيش فرنسا وأمريكا، لأننا عندما غيرنا تسمية جيش التحرير بُعَيْد الاستقلال ولكي نبقي على صفته وارتباطه بالتحرير أوجبنا أن يكون مرتبطا بالوطن وبالشعب، وقد برهن حقا في هذه المرحلة أنه كذلك.

حقا، كانت هناك صعوبات في المحطات المنصرمة، من العهدة الخامسة إلى تمديد العهدة الرابعة، إلى إلغاء الانتخابات، وقد عشناها جميعا، وطالب الشعب بتطبيق المادة 7 والرجوع إليه، لكي نحترم الدستور ولا نخرج عنه، لأن مرجعيتنا هي الدستور، والحمد لله أجرينا الانتخابات في موعدها وانتخبنا رئيس الجمهورية، والشيء الجديد الذي نفتخر به في الجزائر وربما هو مقدر في الخارج أكثر مما يقدر في الداخل، أن المترشحين للرئاسيات بعد فوز الرئيس بالانتخابات، اعترفوا بالنتائج، وهنأوه بفوزه... وهذه موجودة في بعض البلدان ولكنها سابقة في الجزائر، وتبشر بالخير، وفي مراسيم تنصيب رئيس الجمهورية حضر المترشحون أيضا، وهذا يشرفهم ويشرف الشعب الجزائري وبصفة خاصة في الخارج.

إننا متجهون نحو محطات هامة مباشرة بعد المصادقة على مخطط عمل الحكومة، إلى إعداد الدستور الجديد، والعمل فيه جارٍ، الذي سيمر على البرلمان ثم على الشعب، ونحن نريد بهذا الدستور بناء الدولة الجزائرية الجديدة تكون للجميع، بمواصفاتها وكل واحد منا باتجاهاته يجد مكانه فيها، وقد قلت سابقا إن الدولة يجب أن تكون دار الجميع، وقلتها بالأمازيغية : "ذا خام أنّاغ أُكُلْ" ؛ والحكم ليس هو الدولة، بل ينبع من رغبة الشعب، وقد يتغير من محطة لأخرى ولكن الدولة لا تتغير، كما قلنا كذلك بأن الدولة لا تزول بزوال الحكام، يأتي حكم أزرق... حكم أبيض... المهم الحكم يتغيّر لكن الدولة تبقى قائمة، وتغيّر السلطة ليس هو تغيّر الدولة !! وهذا ما نحن ماضون إليه إن شاء الله، يبقى في هذه المحطة وبالنسبة لي أنا وأعوذ بالله من "الأنا" فإنني إذا تشعبت الأمور أرجع دائما إلى التاريخ لأجد الجواب، فتاريخنا مليء بالتجارب، وليس فقط بالأزمات التي كانت موجودة، صحيح كانت أزمات وكنا قد عايشنا التجارب عن كثب، وأحيان أخرى عن بعد، وفي كثير من الأحيان كانت بقرب، ونتذكر جميعا الجزائر قبل 1954  وبعد 8 ماي 1945، ففي الخمسينيات من القرن الماضي تشتت الحركة الوطنية وانقسمت، ولم يعرف المناضلون المخلصون ما هو الاتجاه، فليبيا استقلت العام 1951، وثورة مصر وجمال عبد الناصر في القاهرة،  وتونس والمغرب... أما الجزائر فاعتقدوا أنها ماتت !! ولكن نخبة من المناضلين اجتمعت وهم جماعة الـ (22) وتساءلوا: ما العمل؟ وقد تم اجتماع (الستة) بعد فترة أربعة أشهر من اجتماع مجموعة 22، ومن الناحية التاريخية حتى لوقتنا الحالي ماذا فعلوا خلال هذه الفترة (4 أشهر)، وهذا ما أردت الوصول إليه، ولم يكن الإخوة معروفين سياسيا كشخصيات أو نواب، ولكنهم كانوا مناضلين سريين، وقاموا بكل المحاولات ليجدوا من يقود المجموعة، فاختاروا مصالي الحاج الذي كان ببلجيكا، وأرسلوا إليه مصطفى بن بولعيد، في جويلية 1954، وقال له إننا شباب نحضر للثورة التي حان حينها، فرفض ! وحين رجع مصطفى بن بولعيد قرر الخمسة ألا يكون للثورة زعيم، واستغنوا عن الزعامة التي عوضوها بالعمل الجماعي، ولكن لا يمكن القيام بالثورة من غير إشراك منطقة هامة في الجزائر وهي منطقة القبائل ولابد من الاتصال بكريم بلقاسم وأوعمران اللذين كانا مع مصالي الحاج وأقنعهما، فالتحقا بالآخرين وانعقد اجتماع الستة، وأود أن أضيف بأن المهام قُسمت وكُلف مصطفى بن بولعيد بذلك، وانبثق عن ذلك 05 مناطق، وبحكم ذلك كلف بن بولعيد بمنطقة الأوراس والتي لا يمكن أن يتولى تسييرها غيره، بسبب الأسلحة والنظام السري، كما أن كريم بلقاسم لا يمكن أن يكلف إلا بمنطقة القبائل، وأما الإخوة الآخرون وبحكمة ومن أجل رسالة كُلف رابح بيطاط بالمجيء من الشرق إلى الوسط، وأن يذهب ديدوش مراد من الوسط إلى الشرق، وبن مهيدي من الشرق إلى الغرب، وهذه رسالة للوحدة الوطنية ؛ وتقرر ألا تكون الثورة انتفاضة بل مسلحة، وكان الأوراس بحكم التنظيم السري غير مجند وكانت به أسلحة لا توجد بمناطق أخرى، بحيث يمكن الصمود بالأوراس طويلا، لأن باقي المناطق لا تتوفر على أسلحة كثيرة، كما تقرر أن تعمم الثورة في أول نوفمبر من الغرب إلى الشرق ومن الجنوب إلى الشمال ولو في "علبة سردين" لتعرف فرنسا ذلك، وهذا ما حدث، نوفمبر في كل قطر الجزائر وتساءل الجميع آنذاك: من فجر الثورة ومن يقف وراءها؟ فليست هي الحركة الوطنية، ولم يعلن عن مسؤوليها، لا أحد يعلم، وكل واحد كان ينكر علاقته بما يحدث، وحقيقة لا أحد يعلم، وكانت فرنسا حينها تقول إن من فجرها قد جاؤوا من الخارج، وقالت إنهم (فلاقة) وشيوعيون، وفي 20 أوت 1955 خرج الشعب إلى الشارع في منتصف النهار، وحينها قالت فرنسا إن من يقف وراءها جزائريون خارجون عن القانون، ولكنهم صاروا بعد فترة بمجيء صلح الشجعان لديغول يُلقبون (شجعانا) !!

لقد أردت بتذكير هذا التاريخ الوصول إلى نقطة هامة وهو نداء كمجاهد لا كرئيس مجلس، كمجاهد عمل بقرب مع أبي الثورة مصطفى بن بولعيد، الذي كان رجلا ذا نظرة بعيدة، يتكلم عن الحاضر والمستقبل، ويوصي ويشير إلى المحطات وإلى تنظيم الكفاح الذي قدر مدته بعشر سنوات، لأن الاستعمار استيطاني ولن يخرج بسهولة من الجزائر، والتواصي بالبقاء على نفس المبدإ، ومن خلال هذا الذي عشناه وسمعناه من رجال أمثال بن بولعيد، أوجه نداء كمجاهد، للإخوة الذين لم يلتحقوا بالحوار، ورئيس الجمهورية مد يده للحراك للتحاور، فيه مبادرات وبدأ الحوار ولكننا نوجه نداء لإخوان المنطقة التي ذهب إليها بن بولعيد قبل نوفمبر 1954، كمسؤولين سياسيين وإطارات وشخصيات وندعوهم للالتحاق بهذا الحوار، فكما اتحدنا لتحرير البلاد، نتحد اليوم لنبني ديموقراطية جديدة ونبني دولة جديدة، وجمهورية جديدة، كلنا اليد في اليد.

هذا نداء فكرت فيه أمس فقط، لأنني عرفت الكثير من الرفقاء ومسؤولي هذه الجهة مثل كريم بلقاسم وأوعمران وعبان رمضان، وأزوران وعميروش، هذا البطل الذي كنا ندعوه (زباتة الجزائر) تشبيها له بـ (زباتة المكسيكي)؛ فباسم كل هؤلاء أوجه النداء لنوحد صفوفنا ونبني الجزائر جميعا في إطار ديمقراطية حقيقية وفي إطار الشرعية، والحمد لله عندنا رئيس شرعي يمد يده  للحوار وهذا ممكن جدا، ونتمنى الخير للبلاد...

وتحيا الجزائر والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار،

والسلام عليكم.

 

0
0
0
s2sdefault
diplomatie
culture
porte ouverte