بسم الله الرحمن الرحيم 

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين

السيد رئيس المجلس الشعبي الوطني،

- السيد الوزير الأوّل،

- السيدات والسادة أعضاء الحكومة،

- السيدة والسادة أعضاء مكتب المجلس الشعبي الوطني،

- السيد الرئيس الأول للمحكمة العليا،

- السيدة رئيسة مجلس الدولة،

- الأخوات والإخوة أعضاء مجلس الأمة،

- الأخوات والإخوة الصحافيين ؛

السلام عليكم...

سيداتي، سادتي،

بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية العادية 2019-2020 ومثلما جرت عليه العادة أتشرف بإلقاء هذه الكلمة "العفوية" أمامكم فأقول فيها ؛

في البداية أودّ التذكير بما قلناه في اختتام الدورة الفارطة، يوم 2 جويلية 2019، وقد مر شهران على ذلك، نتذكر كلنا حيث قلنا إن هناك المهم والأهم.

المهم هو المرحلة الأولى التي نعيشها حاليا، وهي مرحلة انتخاب رئيس الجمهورية، ثم الأهم وهي مرحلة مراجعة الدستور وبناء الدولة الحقيقية للمستقبل.

تذكرون ومن المفيد التذكير بأن مفهوم الدولة الجزائرية المستقبلية هي دولة المؤسسات والجميع، ونفرق ما بين الحكم والدولة، الحكم يتغير حسب رغبات الشعب والظروف من مرحلة إلى أخرى ولكن الدولة تبقى واقفة وحقا للجميع، وقلت إنها (ذخمناغ ألكل) أي بيت الجميع، أردت فقط التذكير بهذا.

نحن في مرحلة دقيقة جدا وخطاب الفريق السيد أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، بالأمس من ولاية ورقلة قد حدد أو اقترح تاريخ 15 سبتمبر الجاري لاستدعاء الهيئة الانتخابية، وحقيقة أنه في كلمته وضع النقاط على الحروف فتوضحت الطريقة التي نسير عليها في هذه المرحلة الراهنة، وهي انتخاب رئيس الجمهورية، ويبقى الدور المنوط بالإخوة المنضوين في إطار ما يسمى  (PANEL)أو هيئة الوساطة والحوار وما يبذلونه من جهود في إطار الحوار الجاد والمسؤول، لجمع كل الآراء من المواطنين المخلصين والأحزاب والجمعيات لتجسيد رغبات ومطالب الشعب... الشعب الذي خرج إلى الشارع وطالب بالتغيير الجذري وقال: "20 سنة بركات"... والذي رافقه ورافق مطالبه ولبى رغباته هو المؤسسة العسكرية... 

هذه المؤسسة التي تطالها إشاعات مغرضة تريد تزييف الحقائق، فالجيش الوطني الشعبي هو سليل جيش التحرير الوطني بحق وجدارة، وعندما نتذكر التاريخ ونسمع بعض التصريحات والمقالات كقولهم إنه منذ 1962 ونحن خارج الشرعية وإنه قد وقع انقلاب على الشرعية أي شرعية الحكومة المؤقتة ؛ وبهذه المناسبة وبصفتي مجاهد عايشت تلك المرحلة وما قبلها، أقول إنها كانت في الحقيقة والواقع مؤامرة ضد جيش التحرير الوطني، لأننا نتذكر وبصفة خاصة الإخوة ممن عايش وتلك الفترة، أنه مباشرة بعد توقيف القتال والاجتماع الأخير لمؤتمر طرابلس، وحصل الاتفاق والإجماع الكامل حول برنامج طرابلس، كل أعضاء مجلس الثورة وافق على هذا البرنامج، وحدث الخلاف في اليوم الأخير، عندما جاؤوا لتشكيل المكتب السياسي وتوزيع المناصب، فاختلفوا وغادروا طرابلس ودخلوا إلى تونس ؛ وكان رئيسها حينذاك الحبيب بورقيبة الذي نظم مهرجانا للاحتفال بانتصار الجزائر ووقف القتال، وخطب وقال: "إن الحكم لا يأتي على ظهر دبابة"، وهذا الكلام مسجل في خطاب مباشر بتونس أمام الشعب، وبعدها أعلن رئيس الحكومة المؤقتة آنذاك مباشرة توقيف أركان جيش التحرير، ما معنى ذلك ؟ معناه خلق انقسام وفوضى داخل جيش التحرير ؛ وبعدها وبعدما تم تنصيب (L'exécutif de Rocher noir) كانت الخلفية خلفية حكم، واتفقوا في إطار الاتفاقيات حيث طالبوا ألا يدخل جيش التحرير الوطني الرابض حينها في الحدود التونسية والمغربية تراب الجزائر إلا بعد الاستقلال، ما معنى هذا ؟ وفي نفس الوقت أنشيء ما يسمى بالقوة المحلية (La force locale)، وبدأوا بتكوين مليشيا أو جيش في كل ولاية في إطار ما يسمى بالقوة المحلية، وما يؤكد هذا من الناحية التاريخية هو تصريح وزير الدفاع الفرنسي آنذاك المسمى (MESMER) أن تلك القوى المحلية هي الجيش المستقبلي للجزائر المستقلة (La force locale c'est la future armée de l'Algérie indépendante)، ولو بقي جيش التحرير مرابطا في الحدود إلى ما بعد الاستقلال لفرض على كل مجاهد يدخل من الحدود أن ينضم إلى هذا الجيش أو يضع سلاحه ويأخذ (Pécule) معاشًا ويدخل بيته !!

هذه حقائق تاريخية، ورغم هذا دخل جيش التحرير الوطني البلاد من جهة واحدة، دخل من تبسة، خنشلة، باتنة، مسيلة وحتى إلى سطيف، لأنه حينها لم يستطع الدخول مباشرة إلى العاصمة وهنا انكشفت المؤامرة ضد جيش التحرير الوطني، فعندما اضطلع الجيش بمسؤوليته، فقد فعل ذلك للحفاظ على استقلال الجزائر الحقيقي، ولو تحقق هذا المخطط لذهبت الثورة ولذهب نوفمبر ولأصبحت الجزائر (Un pays quelconque) مثل العديد من البلدان الإفريقية الأخرى، التي استقلت في سنة 1960 أو كتونس والمغرب، فالذين كانوا في الجيش الفرنسي هم من حكموا الجيش في تونس وحكموا الجيش المغربي، وأرادوا أن يسلكوا نفس الطريق بمساهمةٍ ممن أرادوا الاستيلاء على الحكم فقط.

لقد أردت التذكير بهذا الجانب التاريخي لنفهم دور الجيش الوطني الشعبي منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا، وحتى 19 جوان 1965 هناك من يسميه انقلابا عسكريا، ولكنه في الحقيقة تصحيح ثوري، لأننا لما دخلنا بعد الاستقلال، وبعد الذي تقرر في طرابلس... انعقد مؤتمر في الجزائر العاصمة لتطبيق نتائج مؤتمر طرابلس، يسمى المؤتمر الثالث وقد انعقد العام 1964 ونص على أن تنتخب اللجنة المركزية من طرف المؤتمر، وأن ينتخب الأمين العام لجبهة التحرير الوطني من طرف اللجنة المركزية، وينتخب المكتب السياسي من طرف اللجنة المركزية وأن لا يعين من طرف الأمين العام، ولكن وقع العكس: فالأمين العام انتخب من طرف المؤتمر، واللجنة المركزية شكّلها الأمين العام، والمكتب السياسي اختاره الأمين العام، فأصبح الحكم فرديا، هذه هي أسباب تصحيح 19 جوان 1965، وعندما حدث هذا التصحيح أوقف الأمين العام وأوقف المكتب السياسي وأوقفت اللجنة المركزية وأوقف المجلس الوطني وأوقف العمل بالدستور، لكن جبهة التحرير لم تلغ. 

فجبهة التحرير الوطني ليست مِلكاً للأشخاص أو الحكام بل هي ملك الجميع، ولا يستطيع أيٍّ كان إقصاءها... فأنت تستطيع إقصاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي والأمين العام ولكنك لا تستطيع إقصاء جبهة التحرير الوطني، لأنها ليس لها زعيم، فمنذ البداية عوضت الزعامة بالعمل الجماعي والديمقراطية، وبعد هذا نفهم أهمية ذلك...

فبعد حلّ كل هذه المؤسسات، من عينوا على رأس جبهة التحرير الوطني ؟ عينوا قيادة مؤقتة ترأسها شريف بلقاسم رحمه الله، ومعه محند أولحاج عن الولاية الثالثة، والعقيد حسان عن الولاية الرابعة ومحمد طيبي العربي عن الولاية الخامسة، ومحمد الصالح يحياوي عن الولاية الأولى ؛ وهؤلاء الإخوان الذين كانوا قادة الثورة في ولاياتهم هم من ترأسوا جبهة التحرير الوطني، وأعادوا لها مجدها، طبعا حتى تكون الأمور واضحة، عندما اتجهنا للقاعدة النضالية لجبهة التحرير، ويتذكر ذلك كل المناضلين قلنا : "الانخراط وإعادة الانخراط"، فعلى المناضل الذي لازال يؤمن بجبهة التحرير الوطني معاودة الانخراط من جديد ليؤكد التزامه والانخراط الجديد مفتوح للشباب ممن له رغبة وقناعة ليناضلوا في صفوف جبهة التحرير الوطني.

لقد ذكرت هذه الجوانب التاريخية لأن تاريخنا مرتبط بحاضرنا، والبعض يحاول تزييفه، وإعطاء مفاهيم أخرى لقضاء رغبات ومصالح حسب أجندات البعض؛ ثورتنا هي نوفمبر وبرنامجنا هو بيان نوفمبر فقط لا غير، وتختلف المحطات فقط لا غير، فمحطة ما بعد نوفمبر كانت محطة 20 أوت 1955، ثم محطة مؤتمر الصومام 1956، وقد احتفلنا بهذه الذكرى يوم 20 أوت الفارط (يوم المجاهد)، وعند انعقاد هذا المؤتمر... صحيح وضع برنامجا بحكم المرحلة، وكنا متفقين عليه إلا بعض الخلفيات ونجمت عنها بعض المشاكل وهي أولوية السياسي على العسكري، فهذه لم تكن مقبولة من طرف الجميع، لأن العسكري الذي حمل السلاح وجاهد كان من قبل سياسيا، ثم اقتنع بأن تحرير البلاد سيكون بالسلاح، فهم ليسوا عسكرا بل سياسيين رفعوا السلاح، ولكن من الناحية التاريخية هناك من فجر الثورة وهناك من ساند تفجير الثورة وبينهما فرق...

طبعا سرنا في هذه المحطة حتى بلغنا المحطة الثالثة، في أوت من العام 1957، عاما واحدًا بعد مؤتمر الصومام... جاء مؤتمر القاهرة ولا أحد يتكلم عنه، وهو كان المؤتمر الجامع، لأن في مؤتمر الصومام تمّ إنشاء ما يُسمى بـ (CNRA) أي المجلس الوطني للثورة الجزائرية وكان يتكوّن من 34 ممثلا: 17 دائمون و17 إضافيون؛ أما في مؤتمر القاهرة فقد ارتفع هذا العدد إلى 54 وأصبحت كل الولايات من خلال قياداتها ممثلة في قيادة الثورة وألغي مفهوم العسكري والسياسي، وتوحدت القيادة في الداخل والخارج ضمن قيادة واحدة، لأنّه فيه تكامل ولذلك سمي بالمؤتمر الجامع؛ ثم جاءت محطة 1958 عندما تشكلت الحكومة المؤقتة، ثم محطة أخرى وقعت فيها مشاكل، حتى انعقاد اجتماع العقداء العشرة الذي أرجع القطار إلى سكته، لأن ثورتنا هي نوفمبر والمحطات الأخرى بمشاكلها ونحن لا نخشى الحديث عن الخلافات بل نتكلم عن الصعوبات والمشاكل لأن كفاح ثورتنا يختلف تماما عن الثورات في البلدان الأخرى، لأن الاستعمار كان استيطانيا لم يكن لنا وجود وحتى ديننا كان مستعمرا، وكانت خطبة الجمعة يكتبها الحاكم أو (Le sous-préfet ou le préfet)، والإمام الرسمي يقرأ الخطبة التي يكتبها له الحاكم، والكل يتذكر الشيخ ابن باديس رحمه الله الذي طالب بفصل الدين عن الحكومة، لأنهم في فرنسا حينها كانوا يفصلون الدين عن الدولة وطالب بذلك كحرية دينية، ولكن الاستعمار عندنا كان مختلفا عن كل استعمار آخر والكفاح لم يكن سهلا، والتضحيات العظمى التي عرفتها الجزائر كانت كبيرة: مليون ونصف المليون شهيدا، ولا أذكر الشهداء من بدء الغزو والاحتلال، هذه التضحيات نذكرها ونحن واعون، لما نرجع إلى تاريخنا لنستمد منه الأمور الصالحة ولنتجاوز ما اختلفنا عليه...

وما وقعنا فيه من خلافات وقعت فيه أيضًا فرنسا، فقد تغيرت بسبب الثورة سبع حكومات في فرنسا، في ظرف سبع سنين، وانهارت الجمهورية الرابعة وانقسم جيش وضباط فرنسا، وحدث تمرد، فمن سبب ذلك؟ إنه كفاح الجزائر وثورتها، فالكل كانت له مشاكله، ولكن الأهم أن ثورتنا نجحت رغم كل ذلك وكان لنا قاسم مشترك والهدف كان محددا للجميع وبيان نوفمبر كان هو القاسم المشترك، رغم كل الدسائس والمؤامرات نجحت ثورتنا ولهذا عندما نتكلم عن الجيش ودوره في هذه المرحلة فدوره طبيعي وحقيقي وواجب عليه، كسليل لجيش التحرير، وأن يبقى وفيا للمبادئ ويحمي الشعب وينفذ مطالبه ويضع حدا للعصابة ولكل من يشكك في تاريخنا ويؤولوه حسب رغباتهم، ويريدون أن تبقى الجزائر في فوضى، وقد قال ابن باديس رحمه الله : "وإقلع جذور الخائنين فمنهم كل العطب"، ونحن نقول اليوم : "إقلع جذور العصابات والمشككين .. فمنهم كل العطب"...      

نحن لنا ثقة في شعبنا، لأننا نؤمن بشعار "من الشعب وإلى الشعب"، ونحن أبناء هذا الشعب وسنبقى كذلك، وندافع عن مبادئه وديمقراطيته، وعن كلمته..

إن دورنا اليوم وغدا وبعد غد وبصفة خاصة في هذا البرلمان وبصفة خاصة في مجلس الأمة لأننا نمثل عمق الجزائر كمؤسسة وليس كأشخاص، ومن حقنا ومن دورنا من حين لآخر وفي كل مناسبة تذكير أنفسنا بما يطمح إليه الشعب...

ديمقراطيتنا ليست ديمقراطية واجهة، أو مزيفة، أو تكون مبنية على مفاهيم غير صحيحة؛ ستكون ديمقراطية حقيقية، يكون الشعب فيها حرا يعبّر عن رأيه بكل حرية وصدق ونزاهة ونحن نساير هذا الشعب كما تسايره المؤسسة العسكرية.

على كل، كان من الواجب والضروري بهذه المناسبة باسم كل أعضاء مجلس الأمة أن أذكر بهذه الجوانب التاريخية التي يجب أن ترتبط بالعمل السياسي، وعلينا أن نكون يقظين...

تحيا الجزائر...

ويحيا الشعب الجزائري العظيم ...

والمجد والخلود لشهدائنا الأبرار.

 

0
0
0
s2sdefault
diplomatie
culture
porte ouverte