رسالة إشهاد وعرفان إلى فخامة رئيس الجمهورية، السيد عبد العزيز بوتفليقة

 

فخامة الرئيس،

بمنتهى الفخر وعظيم الاعتزاز، يشرفني باسمي الخاص ونيابة عن أعضاء مجلس الأمة بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس هذا الصرح التشريعي الحصين، أن أتقدم إلى فخامتكم مخاطبا في شخصكم الكريم الابن البار ببلاده والمجاهد الفذ إبان ثورتها الخالدة والمسؤول المقتدر بعد استقلالها والرئيس الملهم في عهدنا هذا.

إن واجب العرفان يقتضي أن أسجل لكم وللأمة والتاريخ مدى امتناننا لرعايتكم المتواصلة وعنايتكم الفائقة التي أوليتموها لمجلس الأمة، فقد وضعتم في ضمن أولوياتكم تعزيز التشريع في بلادنا وصنتم بما آتاكم الله من حكمة بالغة وحسن تدبير للبرلمان الجزائري بغرفتيه أدواره وهيبته ووقاره، وفتحتم آفاق المبادرة والحرية عن آخرها لتمكنوا الفكرة الصحيحة والرأي البناء والاجتهاد الخالص بين مجالات التشريع والتنفيذ، وزدتم بعد كل أفضالكم هذه، تعزيزا آخر لأداء مجلس الأمة من خلال الصلاحيات والدعم البارز الذي ألحقتموه به في التعديل التاريخي الأخير الذي أجريتموه على دستور بلادنا.

فخامة الرئيس،

ولأن المقام مقام ولاء وامتنان - وما أجدركم به - وما أحوجنا إلى توثيقه، إسمحوا لي أن أغتنم لحظة التواصل هذه لأعرج على بعض الانتصارات التي حققتموها منذ قيادتكم الراشدة لبلادنا، وأولها الانتصار على الفتنة بعد عقد مظلم من الزمن ونفق طويل من المأساة الوطنية. بادرتم في أول عهدتكم بإلهام من الله وتوفيق منه عز وجل إلى وأد الفتنة والقضاء على أسبابها وتجفيف منابعها فكان قانون الوئام المدني الذي التف حوله الشعب بكل أطيافه مؤيدا ومهللا لعودة الاستقرار والأمن لوطننا الغالي، ولم تكتفوا بذلك فخامة الرئيس، بل أطلقتم في خطوة تاريخية أخرى مبادرة الميثاق من أجل السلم والمصالحة الوطنية هذه الفكرة العبقرية التي اعتنقها الجزائريون ووضعت حدا وإلى الأبد بحول الله للتناحر والتنافر والشقاق، هاهي اليوم النموذج الذي تعتمده البلدان والمجتمعات التي تعرف القلاقل وعدم الاستقرار اقتداء بكم وإيمانا بنجاعة وصفتكم المتفردة في لم الشمل وتجاوز الخلاف واسترجاع الأمن والطمأنينة.

إن الجزائريين يتذكرون بمنتهى التقدير وعدكم الأول باسترجاع السلم وإرساء المصالحة. ويتذكرون بالتقدير نفسه صدقكم فيما وعدتم وإنجازكم لما هممتم به، وها نحن - والحمد لله - وبفضلكم ننعم بالأمان ونحيا في رحاب الاستقرار. لا سيما وأنكم أوليتم الأهمية الكبرى لدعم الجيش الوطني الشعبي بصفتكم القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي خطا خطوات مشرفة على درب القوة والاحتراف والوفاء لمهامه الدستورية وكذلك كان الأمر مع مختلف أسلاك الأمن التي عرفت في عهدكم عصرنة وتفوقا مبهرين.

إلى جانب هذا لم تترددوا لحظة في فتح ملفات الإصلاح - لاسيما فيما تعلق بالعدالة والتربية والإدارة - فانتقيتم من أجل ذلك خيرة الخبراء والمختصين في شتى مجالات المعرفة والمهنية لتسندوا إليهم لجانا كانت ورشات حقيقية وكانت في ذلك رسالتكم واضحة في وجوب التفحص والتمعن قبل اتخاذ القرارات ووجوب الاستنارة بذوي الاختصاص تثمينا لجهودهم وإيمانا بمقدرتهم على إيجاد الحلول الناجعة.

وما أسعدنا ونحن اليوم نعيش ثمار جهدكم الإصلاحي وقد أصبح منوالا دائما وثقافة راسخة في مؤسسات الدولة.

وبروح شاهقة الهمة ومسؤولية سامقة الوعي تجاوبتم مع نداء التاريخ ووضعتم قيمنا الوطنية فيما يجب أن تكون عليه من رفعة وحضوة، حيث عزّزتم عناصر الهوية الوطنية دستوريا ووضعتموها في منأى عن أي هاجس أو تلاعب أو استخدام مُبَيّتَيْن.

وأعليتم من شأن موروثنا العريق الممتد في تاريخنا المجيد وخير برهان على ذلك قراركم الحكيم القاضي بترسيم الناير عيدا وطنيا وعطلة مدفوعة الأجر، وهذا ليس غريبا عنكم فقد أكدتم مرارا أن التاريخ للجميع وأن الذاكرة الوطنية تبقى في حماية الدولة وفي صميم عنايتها.

وكذلك وقفتم إلى جانب الأسرة الجزائرية فحفظتم كيانها وحصّنتم معدنها ووجودها المتنامي كخلية فاعلة ثابتة في حركة المجتمع ومتغيراته. وكان لكم فخامة الرئيس شرف صون مقام المرأة الجزائرية وإعلاء شأنها إذ مهدتم لها سبيل الحضور القوي في المجتمع وفي مؤسسات الدولة ومختلف الهيئات المنتخبة وحفظتم لها الحقوق الاجتماعية ورفعتم عنها غبن المظالم والإقصاء مستلهمين كل ذلك من احتفاء ديننا الحنيف بالمرأة ومن تقاليدنا الراسخة.

وبالموازاة أوليتم العناية للشباب فأشركتموه في التنمية والبناء والقيادة مستندين في ذلك إلى إدراككم العميق لأهمية هذه الفئة في حاضر الجزائر ومستقبلها فلم ينقطع تشجيعكم للشباب في شتى ميادين العمل والثقافة والإبداع والرياضة ولم ينقطع حرصكم على تأهيله لأدواره الحاسمة التي سيضطلع بها.

وكان لكم كذلك - فخامة الرئيس- وسام تخليص الشعب الجزائري من ديونه في سابقة انحنى لها العالم احتراما، إذ جسدتم عزته وكرامته فعلا لا قولا فحسب وأقدمتم على حفظ كبريائه وإعادة الروح الوطنية إليه والاعتزاز بجزائريته بين الشعوب والأمم.

وبفطنة عالية واقتدار كبير أعدتم البلاد إلى أدوارها الإقليمية والدولية وحركتم آلة الدبلوماسية - التي خبرتموها دائما - لتحتل الجزائر بكل الفعالية وحسن الأداء مكانتها المرموقة بين دول العالم وأقطابه.

ولأنكم من سلالة أحرار هذه الأمة انحزتم إلى حرية التعبير ووقفتم إلى جانب التنوع في الآراء وكسرتم مختلف الأغلال التي طالما أعاقت أداء الإعلام والصحافة في بلادنا وحرصتم على الرفق بالأقلام وإن أساءت من خلال تدابيركم الملموسة في تعزيز حرية التعبير.

وبإرادتكم وخالص حبكم للبلاد تفرغتم إلى التنمية والبناء فوجهتم بتعمير البلاد فشقت في عهدكم الطرق ومدت السكك لآلاف الأميال وشيدت المساكن بأرقام مذهلة وأقيمت السدود وازدهرت الفلاحة وتضاعفت المستشفيات والمدارس والجامعات، وأعطيت فرص العمل لكل الفئات وتحررت المبادرات، وعززتم العدالة والقضاء وعصرنتم الإدارة والمؤسسات وحاربتم الفساد والإقصاء وحافظتم على الصفة الاجتماعية للدولة الجزائرية لتشمل بعطفها الفئات المعوزة من الشعب وتدفع بالجميع إلى الحياة الكريمة والعيش الرغيد.

ويحسب لكم فخامة الرئيس أنكم لم تهمشوا في مشواركم رأي العارفين والخبراء في السياسة والاقتصاد والاجتماع موالين كانوا أو معارضين فقد عرف ومازال يعرف عهدكم الزاهر عدة استشارات في مواضيع مصيرية لم تقص فئة ولا تيارا وكنتم في ذلك حريصين على أن تكون أبواب الحوار مفتوحة للجميع وكان ذلك بتوجيهاتكم ومتابعتكم، وسيقف التاريخ طويلا عند مسعاكم هذا الذي أسس لثقافة المشاركة والتسامح والتعالي عن مظاهر الاختلاف في القضايا الهامة والمحورية فأثمر ذلك قوانين الإصلاحات المعمول بها اليوم.

لقد آمنتم - فخامة الرئيس - بالعلم والتنوير، وارتكزتم على عميق إحساسكم بضرورة العمل على تخريج أجيال قادرة على قيادة البلاد نحو الأحسن فاستثمرتم في المعرفة وأطلقتم العنان للعقول في شتى مجالات الابتكار والثقافة والإبداع، إذ لم تبخلوا على الإنتاج الفكري بكل أنواعه، بالموازاة مع جهودكم الكبيرة في إرساء دعائم البحث والاستفادة من تجارب العالم المتقدم مواكبة للعصر وحرصا على عدم اتساع الهوة بيننا وبينه.

وحين اكتسحت القلاقل والفتن بلدانا شقيقة لنا بتدبير خارجي مغرض استطعتم بما أوتيتم من تبصر وألمعية أن تجنبوا وطننا ويلات التربص الخبيث وأن تجعلوه في مأمن عن كل ما يحاك من دسائس وبث للسموم والفوضى الهادمة، ولم تبخلوا في كل ذلك بمساعدة الأشقاء المتضررين الذين استرشدوا بحكمتكم واستأنسوا بخبرتكم وسداد رأيكم.

فخامة الرئيس،

إن الشعب الذي استمسك بنهجكم وآمن بمشروعكم الحضاري وأعطاكم ثقته كاملة ومطلقة في كل مساعيكم، هذا الشعب العظيم فخامة الرئيس جدير بأن تستمروا في إسعاده وأن تواصلوا مسيرة البناء من أجل غده ومستقبله.

إن ما بذلتموه وتبذلونه مؤزرين بالتوفيق الرباني والتأييد الشعبي من حقكم علينا كممثلين للأمة في هذا الصرح المؤسساتي العتيد أن نعترف لفخامتكم وأن نشهد لكم بجليل أعمالكم وعظيم منجزكم... وإنه إشهادٌ وعرفان ونداء نفخر بإشهاره دون لبس ونسعد بتبنيه دون تردد... وهي لحظة يقف فيها اللفظ حائرًا في تحمل المعنى، وتدهش فيها الكلمات من تدفق الإحساس العميق الصادق بالفضل والعطاء. ما الذي يمكن أن يقال في رجل أطفأ الحرقه، وأبعد الفرقه، ووهب العمر ومازال يهب لشعبه وبلاده، وأصلح الشؤون وأعاد الأمل وحرك الهمم في البناء والرقي. ما الذي يمكن أن يُقال في مطلق المصالحة والوئام وقائد الإصلاح وباعث الأمن والطمأنينة في وطنه، والمثمن للجهود والراعي الأول للتفوق والمترفع عن إساءة المسيئين وهفوات المرتابين والمقبل على الإنجاز غير ملتفت للمثبطين والمشككين.

إنه من أجل هذا وما سبق وما لم نوفق في التعريج عليه، وبمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس مجلس الأمة، يتشرف السيدات والسادة أعضاء مجلس الأمة بهذا الإشهاد والعرفان لفخامتكم تأسِّيًا بقيّمنا الراسخة في واجب الامتنان للمحسنين والعرفان لأصحاب الفضل وأهل العطاء.

وفقكم الله في مهامكم السامية وأبقاكم ذخرًا للبلاد والعباد.

الأربعاء، 07 فبراير 2018

0
0
0
s2sdefault
diplomatie
culture
porte ouverte